طوبى لصانعي السلام
معاينة الله بالقلب النقي لا يعني مجرّد اكتشاف أسرار الله فكريًا، وإنما هو دخول إلى الحياة الإلهيّة، وتمتّع بالشركة مع الله، لنعمل عمل السيّد المسيح أي "السلام" بكوننا أبناء الله. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [نعم قد صار هذا هو عمل الابن الوحيد أن يُوحِّد المنقسمين ويصالح الغرباء.] لقد دعي السيّد "رئيس السلام" (إش 9: 6)، إنجيله هو "إنجيل السلام" (أف6 : 15)، وملكوته ملكوت "برّ وسلام وفرح في الروح" (رو 14: 17)، أمّا ثمن هذا السلام فهو دمه الثمين المبذول على الصليب.
ويرى القدّيس أغسطينوس أن صنع السلام ليس عملاً خارجًا يمارسه الإنسان، وإنما هو طبيعة ينعم بها أولاد الله في داخلهم، خلال السلام الداخلي الذي يحلّ بين الروح والجسد بالروح القدس في المسيح يسوع، فيظهر ملكوت السماوات داخلنا.
v يكون كمال السلام حيث لا توجد مقاومة. فأبناء الله صانعوا سلام، لأنه ينبغي للأبناء أن يتشبّهوا بأبيهم. إنهم صانعوا سلام في داخلهم، إذ يسيطرون على حركات أرواحهم ويخضعونها للصواب أي للعقل والروح، ويُقمعون شهواتهم الجسديّة تمامًا، وهكذا يظهر ملكوت الله فيهم فيكون الإنسان هكذا: كل ما هو سامٍِ وجليل في الإنسان يسيطر بلا مقاومة على العناصر الأخرى الجسدانيّة... هذا وينبغي أن يخضع ذلك العنصر السامي لما هو أفضل أيضًا، ألا وهو "الحق" ابن الله المولود، إذ لا يستطيع الإنسان السيطرة على الأشياء الدنيا، ما لم تَخضع ذاته لمن هو أعظم منها هذا هو السلام الذي يعطي الإرادة الصالحة، هذه هي حياة الإنسان الحكيم صانع السلام!
القدّيس أغسطينوس
v السلام هو قوّة المسيحيّين: "سلام الله الذي يفوق كل (فهم) عقل" (في 4: 7). طوبى لصانعي السلام، لا بإعادة السلام بين المتخاصمين فحسب، وإنما للذين يقيمون سلامًا في داخلهم... فإنه إن لم يوجد سلام في قلبي ماذا يفيدني أن يكون الآخرون في سلام؟!
v المسيح ربّنا هو السلام... لنحفظ السلام فيحفظنا السلام في المسيح يسوع.
القدّيس جيروم
v الكمال في السلام حيث كل شيء مقبول؛ ولذا فإن فاعلي السلامة هم أبناء الله، إذ لا شيء يخالف الله، وعلى الأولاد أن يتشبّهوا بأبيهم.
فاعلوا السلامة في نفوسهم هم الذين يسيطرون على جميع ميولهم النفسيّة ويخضعوها للعقل، أي للفكر والروح، وقد كبحوا جماح شهواتهم اللحميّة، وصاروا ملكوت الله، حيث انتظم كل شيء وراح ما هو سامٍ في الإنسان ورفيع يأمر ما دونه المشترك بين الإنسان والحيوان، ثم أن ما سما في الإنسان، أي الفكر والروح، هو عينه خاضع للأسمى منه، أي الله.
في الواقع يستحيل عليك أن تحكم من هم دونك، إن لم تخضع لمن هو أعلى منك، وذاك هو السلام الذي يهبه الله في الأرض لذوي الإرادة الصالحة...
أتريد السلام؟ اعمل برًا يكن لك السلام، "السلام والبرّ تعانقا" (مز 85: 10).
v ليكن السلام حبيبًا لك وصديقًا؛ واجعل قلبك مضجعًا له نقيًا. ولتكن لك معه راحة مطمئنة بدون مرارة، وعناق عذب، وصداقة لا تنفصم عراها.
القدّيس أغسطينوس
v "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم" (يو 14: 27). لقد أعطانا هذا ميراثًا، فقد وعدنا بكل العطايا والمكافآت التي تحدّث عنها خلال حفظ السلام. إن كنّا ورثة مع المسيح فلنسكن في سلامه، إن كنّا أبناء الله يلزمنا أن نكون صانعي سلام... إذ يليق بأبناء الله أن يكونوا صانعي سلام، ذوي قلب حنون، بسطاء في الكلام، متّحدين في المحبّة، مترابطين معًا رباطًا وثيقًا بربط المودّة الأخويّة.
القدّيس كبريانوس